نقل لي من مصدر مشهود له بالمصداقية ان الانفجار الذي استهدف شارع المتنبي ، حدث في المنطقة المعروفة ببيع وتداول الكتب التنويرية ، خصوصا كتب التنوير الديني ، اذا صح الاصطلاح ، وكان ابرز ضحايا هذا الاستهداف مركز دراسات فلسفة الدين الذي يملكه الباحث الاسلامي الكبير عبد الجبار الرفاعي ، والذي كانت سلسلة اصدارات حول ((ثقافة التسامح)) هي واجهة انطلاقه في بغداد ، وكانت التفاتة مبكرة في الايام الاولى لما بعد سقوط النظام السابق ، من الدكتور الرفاعي الى موطن الجرح العراقي النازف .
كما كان من ابرز ضحاياه ايضا ، الكتبي عدنان الجادري، الذي كانت مكتبته، مكتبة عدنان، تحوي على ارففها احدث واثمن الكتب التنويرية الصادرة في الدول العربية.
ربما يحتاج العراقي الان الى ان يعيد طرح الاسئلة حول مسلماته الفكرية والعقيدية ،هذه المسلمات التي قادته وتقوده الى المازق التاريخية التي مر بها ويمر بها الان ، وبالتالي اعادة صياغة لمقارباته للحياة والموت وما يشكلهما من تصورات واعتقادات ورؤى.
عند هذه المرحلة المهمة في حياة العراقي ، كما هو مطروح حسب الجغرافيا السياسية والتاريخية التي كونت هويته الحديثة، يقف العراقي الانسان على مفترق طريق ، يواجه احد مسارين اما الذهاب الى اقصى الانفعال بالتجربة العنيفة التي مر ويمر بها فلا ينتج سوى ردود افعال متشنجة واوهاما جديدة عن الذات والاخر . او مراجعة الذات والتجربة والانفتاح على النقد واعادة قراءة المسلمات جميعها بادوات علمية حديثة غير متخلصة بالضرورة من الرؤى المتشكلة /اجبارا/ عن العالم والكون لدى العراقي تبعا لتجربته التاريخية الخاصة به باعتباره ابنا لهذا البقعة الجغرافية بما تحمل من مدلولات
ولذلك يحتاج العراقي مثلا ، قبل ان يستورد نظم ادارة دولة من تجارب الاخرين ، ان يتعرف الى نفسه ويكشفها عارية ، بكل تناقضاتها وعيوبها ومحاسنها ، كي يبلور تصورا اقرب الى الموضوعية عن احتياجاته وما يلائمه ، بتفرده ، لينعم بهبة الحياة على ارضه كما يجب
لا شك ان فجيعة شارع المتنبي ، الذي يقول البعض ان جدرانه تحمل على غبارها اصداء الام ومكابدات واشواق واحلام واحزان وافراح اجيال من مثقفي وشعراء وادباء وفناني العراق الحديث ، قد المت الجميع وعكست ربما اقبح وفي نفس الوقت اجلى الصور عن طبيعة الحرب التي تخاض ضد العراق الجديد ، لكنها ربما لم تمر دون دلالات اخرى غابت وسط الفجيعة والحزن والالم الصارخ: فلقد كان شارع المتنبي شاهدا ايضا على عقود من التدجين الفكري للعراق ، وعلى عقود من الجرائم بحق صناع مجده وتشريدهم في اصقاع الدنيا ، وعلى اسواق الدجل الثقافي الذي طبع زمنا طويلا من عمر الدولة العراقية الحديثة
لم يكن شارع المتنبي - بالتاكيد – يحتاج الى الذبح كي يتطهر من ادران الجاهلية ، لكن دوي الانفجار الذي هز مضاجعه حري به ان يعيد طرح الاسئلة على الفكر والادب والشعر والفن العراقي ، قبل ان ندخل في غيبوبة جديدة تفرضها هذه المرة هواجس الخوف من القادم والانكفاء على الضيق من انتماءاتنا
هاجر القحطاني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق