٣١‏/١‏/٢٠٠٧

عند الحلاقة في المنطقة الخضراء


قبل يومين كنت اجلس عند الحلاقة النسائية في المجمع السكني الذي اقطنه داخل المنطقة الخضراء، منتظرة دوري مع عدد من النسوة ، احداهن كانت سيدة شابة في الثلاثينات من العمر تتكلم بلهجة اقرب الى اللهجات العربية المحيطة ، سالتها الحلاقة : هل انت من البصرة ؟
كان الحديث قبلها يدور مع باقي النساء عن ايام عاشوراء وحق الانسان في الاحتفال بطقوسه بالطريقة التي يريد.
بحذر شديد ، تدرب عليه المواطن العراقي العادي ، اقتربت المتحاورات من موضوع الفرز الطائفي في البلد الذي لم يكن ملحوظا في السابق ، وجرى دفاع عام عن الشيعة ، بافتراض ان اغلبية الحاضرات لابد ان يكن من الشيعة ، وربما بالتحديد من الجنوب على اعتبار ان الحكومة بيد الشيعة..
وهذا ما كان اقرب الى ذهن الحلاقة حين لفتت سمعها لهجة السيدة الشابة ، بالنسبة لي كانت اقرب الى بادية الشام منذ البداية وصدق حدسي، اجابت المراة: بل انا من عرب الموصل.
بسرعة انتقلت عيني الى وجه الحلاقة ، وساد صمت في المكان. لابد ان الحلاقة التي كانت تعمل في هذا المجمع منذ عهد النظام السابق ، ، فوجئت بعودة من ينتمي الى شريحة حكام الماضي.
الحلاقة بسيطة التعليم وهشة الخلفية الاجتماعية ، والمرعوبة من اي شيء ينتمي الى الحكومة ، اربكها هذا التناقض .. بين ان تكون الغلبة المتوقعة ، في مجمع يسكنه موظفو رئاسة الوزراء واعضاء مجلس النواب للشيعة ، ثم يخترق هذا الشكل المتجانس ظاهريا على الاقل ، جسم مختلف ، ينتمي ، حسب ادراكها ، الى العهد البائد.
ولذلك ارتبكت الحلاقة وكفت عن تبادل الحديث مع المراة ومع الجميع ، حتى انهت عملها وخرجت الموصلية ، ترتدي عباءة وبرقعا مثل النساء في الخليج. وبحركة لاشعورية القت الحلاقة نظرة على وجهي بحثا ، ربما عن ردة فعل تتوقعها هي عند امثالي ، وواضح لها انني انتمي الى العهد الجديد .. ابتسمت لها ابتسامة مشجعة على هضم الامر واكتفيت بذلك.
ليس سهلا ان اشرح لها ان هذه السيدة تمثل شريحة ليست صغيرة في العهد الجديد ، المشاركون من العرب السنة في العملية السياسية ، بتنوعهم الكبير ، اكبر بكثير من المحجمين عن ذلك . وهذا ربما ما يجب ان يهضمه الكل وليس المراة الحلاقة التي يربكها التنوع واحتمال حضور الاخر بكل تميزه وبوضوح اختلافه داخل النسيج الغالب.

افرحني دائما تنوع العراق ، ورايته حاضرا دائما داخل عائلتي وبين اصدقائي ، في غربتي خصوصا ، والان يريدون له ان يكون وحشا يشوهون به احلامنا في وطن كريم!
واظل اسال نفسي من هم هؤلاء الذين يزرعون بذور الريبة بين بيوتنا المتجاورة وفي نفوسنا المتحابة. لا اعرف لهم اسما لكنني ارى ظلالهم تتحرك في كل مكان في العراق ، ظلال الاستقطاب الطائفي الحاد، واستعادة الماضي البعيد المشحون بالحروب والعداوات دون ان يكون له منطق ينتمي الى الحاضر ، لمجرد ان هذا الارث من التشاحن يرفع بالبعض الى مكاسب السلطة وغنائمها .

خرجت من عند الحلاقة وتناهى الى سمعي حديث بين اثنين باللغة الكردية ،، ابتسمت مثل طفلة واكملت طريقي داخل المنطقة الخضراء

هاجر القحطاني