٢٠‏/٢‏/٢٠٠٧

انعطافة اليائسين



يبدو ان الحرب على العراق الجديد ، اخذت منحى جديدا مؤخرا ، بعد المشهد ، الفاقع ، الذي بثته احدى الفضائيات العربية عن حديث امراة ، زعمت انها كانت ضحية عملية اغتصاب من قبل رجال امن عراقيين .وبعد الانباء عن تفجير شاحنة محملة بمواد سامة صباح الثلاثاء في منطقة التاجي.

اذا عدنا الى القصة الاولى ، يمكن ان نتوقف ، كمراقبين محايدين ، عند عدة نقاط منها
عادة ما تمر ضحية الاغتصاب بفترة انهيار نفسي او على اقل تقدير ازمة نفسية شديدة ، بعد التعرض للاعتداء ، الامر الذي يمنعها ، او يصعب عليها كثيرا الحديث عن التجربة التي مرت بها . الملاحظ ان الضحية المشار اليها ، كانت تتكلم بشكل طبيعي ، واقرب الى الحياد وهي تصف وصفا دقيقا ما جرى لها ، كما لو انها على سبيل المثال طبيبة تشرح حالة لطلابها.
تركيز الضحية المزعومة (مزعومة لان فحوصا طبية اجريت لها اكدت عدم تعرضها للاغتصاب ) على تفاصيل تحمل دلالات سياسية مقصودة مثل الوصف الدقيق المركز لملابس الجنود ، الوصف المعبا والذي لا يمكن ان تخطيء دلالته اي مراقبة محايدة.
اثير تساؤل واستغراب عند كثيرين حول الغاية من التركيز على هذه القصة ، وترويجها عبر الاعلام العربي ، وليس المحلي مثلا ، قبل او حتى دون ، اللجوء الى القضاء او الى السلطات المختصة ، لا سيما ان الضحية مواطنة تعرضت للاعتداء من قبل جنود ينتمون لبلدها وبامكانها محاسبتهم عبر الطرق القانونية ، وليست ضحية اعتداء من قبل جنود غزاة مثلا ، كي تتحول القصة الى حدث ذي طابع سياسي دولي ، انما يمكن تصنيفه ضمن التجاوزات او الجرائم التي ترتكب من قبل مجندين لا يلتزمون بالاوامر ، ويجب اخضاعهم للمحاكمة وتعريضهم للعقوبة التي يستحقون.

اما الحدث الثاني الاشد مرارة والابلغ دلالة ، ان تم التثبت منه ، فهو لجوء الاعداء الى الاسلحة المحرمة في سبيل احداث ابلغ الاثر ليس فقط بالانسان المستهدف منذ البداية بل حتى بالفضاء والتربة والمكان ، ولهذا الحدث ايضا دلالاته التي منها
يتشابه هذا الاسلوب الى حد التطابق مع الاسلوب البعثي الصدامي الذي كان يلجا الى اي سلاح متوفر للقضاء على خصومه ، بغض النظر عن كل الاعراف والمواثيق والحدود الانسانية والشرعية والاخلاقية وحتى الفطرية
.
الذي قام بهذا العمل الاجرامي لا يمكن ان تكون لديه قضية عادلة يناضل من اجلها ، انه قاتل ومجرم ومفسد في الارض ، واستنادا الى كل الانظمة الوضعية والسماوية التي عرفها الانسان ، لا يجابه مرتكب هذا الفعل الا بشن الحرب عليه بلا هوادة ولا رحمة ، لانه كالسرطان لا يمكن ولا يجوز التعايش معه ولابد من استئصاله بلا تردد

الى الان لا يزال العرب يعانون من الصمم والعمى والخرس امام هذه الجرائم التي ترتكب بحق حاضر العراق ومستقبله وانسانه، ولو حدث عشر ما يحدث على يد القوات الاجنبية مثلا في العراق او غيره ، لقامت الدنيا ولم تقعد ، لان الغاية من الادانة ليس الاعتراض على استهداف الانسان ، الاكرم بين المخلوقات ، بل تسجيل نقاط في معارك سياسية ، بلهاء وقصيرة النظر يخوضها العالم العربي الراكد مع اي تيار جديد للهواء يكشف تعفنه.

قضية المراة ضحية الاغتصاب المزعوم تذكرني بالتقارير المرعبة التي تتناقلها وسائل الاعلام عن العراقيات ، اللواتي اضطرتهن ظروف البلد الامنية وغيرها ، الى الوقوع فريسة بيد تجار الرقيق الابيض دون ان يخدش هذا الامر حياء اي مناد بكرامة العراق ، من الذين يجرون البلد بعنفهم الاعمى الى مزيد من الدمار والخراب ، ويقطعون الطريق ، امام اي نوايا وجهود للخروج من نفق الحروب العبثية التي يخسر فيها الجميع
هاجر القحطاني

١٢‏/٢‏/٢٠٠٧

فجيعة مقتل شاب


مثل بتر شجرة خضراء في اوج تفتح ازهارها واقبالها على الاثمار ، مثل فقا عين مبصرة مليئة بنور الحياة ، يفجعني نبا مقتل شاب معافى ، حيوي ومفعم بالاحلام والامال وحرارة الاشواق ودفء العواطف. يقذفني في فراغ العبث والعدمية .عبثية ان تفرع قامة الانسان مشرئبة نحو قمة الحياة ، كي تحصدها فاس غادرة على حين غرة..
كل شيء ، احلامه .. افكاره .. ، احاديثه الخاصة واحاديثه العامة ،ضحكاته الجميلة وابتساماته المشرقة ، اهتماماته البسيطة وطموحاته الكبيرة، اتزانه وهو يجد في عمله ، جنونه وهو يعود الى العراق من ملجا امن في اوروبا ، كل ما يشبه الاخرين فيه وكل ما يختلف فيه عن غيره من شباب العالم الاخر الذين يمتدون باحلامهم على اتساع الدنيا وعلى اتساع الكون دون رادع او حاجز ، رحل معه ..
حين اعترضت طريق اقباله على بهجة الحياة بقسوة لا مثيل لها كل وحشية الزمان لتطفىء في لحظة شمعة متوهجة اسمها الشاب حسنين
لم يكن لحسنين من ذنب سوى انه احب ان يعود الى بلده كي يعيش عزيزا دون ذل الغربة
لم تكن لحسنين حاجة في بلده سوى حاجة الابن الغريب الى عز التواجد بين اهله
واهله لم يحموه
اهله لا يحمون احدا ، منشغل بعضهم بالندب والاحزان
وبعضهم بالبغضاء والعداوات
والجهل والعاهات
وبعضهم برتق فتق اتسع الى ما يعلم الله
اهله قتل بين ظهرانيهم الكثير من اولادهم وبناتهم
ديست على مراى اعينهم ازهارهم المطلة على الحياة ، تبشرهم باجمل ما في القادم من الايام
مثل حسنين ، ، يخسر العراق كل يوم العشرات من شبابه الذكور والاناث ، تنطفىء مع مقتل كل واحد منهم حياة كاملة محملة مثل غيوم الخير بكل الوعود
وتغادر الى الابد سماءنا العطشى لقطرة ماء
تموت وعودنا الجميلة بمستقبل مشرق مثل ابتسامة حسنين ، لان الشجعان قليلون في هذا الزمن العراقي واصواتهم لا تعلو على اصوات الرصاص الذي زرعته عصابة الحكم البائد في كل شبر من ارض العراق ، مع بذور الكراهية العمياء التي سيجت حكمها بالدم
حسنين ، واقرانه الشهداء من شباب الوطن ، اجمل ما يستطيع العراق ان يقدمه كي تكف عنه الشرور ، كي يحمي مصيره
يقدمهم للموت فداء وبدمائهم يحصن احلام من بقوا
اما الشهداء فهم في عليين عند رب كتب على نفسه الرحمة
حسنين احد زملائنا الشباب استشهد مع زميل له على يد ارهابيين يستهدفون كل ما يمكن ان يؤشر على عودة الحياة الى هذا البلد لانهم ورثة الموت
هاجر القحطاني